ثقافة قانونيةمذكرات قانونيةمذكرات مدني
التصرف في مرض الموت في القانون المصري
لم تتفق كلمة جمهور الفقهاء على تعريف مرض الموت ولكن أغلب علماء الشريعة الإسلامية يرون أن مرض الموت هو المرض الذي مات فيه صاحب التصرف.
ولا يتعين المرض أن كان مرض موت أو مرض شفاء إلا بعد الوفاة، ولذلك تبقى عقود المريض وإقراراته صحيحة ومعتبرة ما دام حيا فلا يجوز الاحتجاج بالمرض لإبطال تصرفاته إلا بعد وفاته.
وفى الحقيقة فإن اختلاف الفقهاء لم ينصب على حقيقة مرض الموت ومفهومه، وإنما انصب على أماراته وعلاماته، ويمكن القول بأن مرض الموت هو المرض الذي يغلب فيه أن ينتهي بالموت، ومن هنا فإنه لا يمكن الجزم بأن المرض مرض موت أو مرض شفاء إلا إذا تحقق الموت فعلا، ومرض الموت هو المرض الذي يعجز فيه الإنسان عن متابعة أعماله المعتادة، ويغلب فيه الهلاك، ويموت على تلك الحال قبل مرور سنة، فإن امتد مرضه، وهو على حالة واحدة دون ازدياد سنة أو أكثر تكون تصرفاته كتصرفات الصحيح.
معنى مرض الموت في القانون الوضعي
في البداية – بالنسبة للقانون المدني المصري فإنه قد خلا من أي نص يحدد معالم معينة أو تعريفاً معيناً لمرض الموت أذ أن كلاً من التقنين المدني القديم والتقنين النافذ، قد اقتصر على بيان القواعد العامة التي تحكم تصرفات المريض مرض الموت بوجه عام، دون أن يبين المقصود بمرض الموت، مما دعا جميع فقهاء القانون إلى القول بوجوب الرجوع إلى الشريعة الاسلامية في ذلك باعتبارها المصدر الذي استمدت منه الأحكام الخاصة بتصرفات المريض مرض الموت في القانون الخاص.
تعريف المحاكم المصرية لمرض الموت
إن القضاء المصري تعرض في كثير من أحكامه لتعريف مرض الموت سواء في ظل التقنين المدني القديم أو الجديد، فقد عرضت المحاكم الأهلية لتعريف مرض الموت، فقررت محكمة مصر الابتدائية أن: "مرض الموت المعتبر – عند علماء الشرع – هو الذي يخاف منه الموت ولا يرجى برؤه أو شفاءه، سواء ألزم صاحبه الفراش أم كان يخرج من بيته، وعدمه، لأن الأمراض العضال من طبعها ألا تؤثر في العقل كمرض السل وغيره"، وقررت محكمة الاستئناف الاهلية أن التصرف لا يعتبر حاصلاً في مرض الموت إلا إذا ثبت أن المرض أمتد من تاريخ العقد المطعون في صحته لعدم الاهلية الى حين الوفاة .
كما قضت محكمة النقض المصرية بأنه: "من الضوابط المقررة في تحديد مرض الموت – وعلى ما جرى – قضاء هذه المحكمة أن يكون المرض مما يغلب فيه الهلاك، ويشعر معه المريض بدنو اجله، وأن ينتهي بوفاته"، وعرفته محكمة الاستئناف المصرية بأنه: "المرض الذي يعتري الانسان شيخاً أم شاباً وينتهي بالموت بحيث يشعر الانسان بقرب انتهاء اجله".
شروط تحقق مرض الموت
1-أن يقُعد المرض المريض عن قضاء مصالحه.
2-أن يغلب في ذلك المرض وقوع الموت.
3-أن ينتهي ذلك المرض بالموت فعلاً خلال مدة محددة.
رأى القانون المدني فى مرض الموت
أما القانون المدني المصري فقد نص على إثبات مرض الموت قائلا بأن:
"على ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانوني قد صدر من مورثهم وهو في مرض الموت، ولهم إثبات ذلك بجميع الطرق، ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتا"، ومن هذا النص نتبين أنها تتكون من شقين، الأول هو التصرف الذي حصل في مرض الموت، أما الثاني هو ثبوت التاريخ وإن الشق الأول من هذا النص يجعلنا نتساءل، عما إذا كان التصرف قد وقع في مرض الموت؟ فإذا كانت المحكمة في شك من أن التصرف قد حصل في مرض الموت أو في حالة الصحة ولم يتوفر لها دليل قاطع على إحدى الحالتين رجحت صدوره في مرض الموت وفي ذلك رجوع للأصل.
وتطبيقا لذلك فقد قضت المحاكم الأهلية المصرية: "بأن عقد البيع المحرر بخط المشتري ولم يشهد عليه أحد ولم يسجل إلا قبل وفاة البائع بيومين يعتبر كأنه عمل في مرض الموت ولو كان تاريخ تحريره قبل ذلك بثمانية أشهر"، ومن القرائن القوية أيضا على صدور التصرف في مرض الموت كما قضت هذه المحاكم هو أن يكون تاريخ التصرف قبل الوفاة بأيام قليلة إلا إذا وجد في الدعوى أن المتوفى مات فجأة.
أما الشق الثاني من هذا النص وهو: "ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتا"، أي لا يحتج على الورثة بالتاريخ العرفي، لأن هذا التاريخ يختلف عن التاريخ الثابت، ويلاحظ في هذه العبارة أن هناك عيبا في صياغة النص من حيث أنه يجعل الورثة من طبقة الغير كما يظهر لنا بحيث لا يتوجب على الورثة أن يثبتوا عدم صحة هذا التاريخ، وهذا خلاف القواعد العامة في الخلافة، لأن الخلف امتداد للسلف – الكلام لـ"كركاب".
تطبيقات محكمة النقض فى مرض الموت
كما استقر قضاء محكمة النقض المصرية على: "...يسري في حقهم ما كان ساريا في حق مورثهم ومن ثم يكون تاريخ الورقة العرفية المثبتة للتصرف حجة عليهم كما كان حجة على المورث إلى أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ فإذا كانت هذه الورقة تحمل تاريخا عرفيا سابقا على مرض الموت وادعى الورثة أن التصرف صدر في مرض الموت، ولكن الورقة قدم تاريخها على وقت المرض للحيلولة دون الطعن في التصرف كان عليهم أن يقيموا الدليل على ذلك بجميع الطرق، لأن تغيير التاريخ حينئذ يكون غشا وتحايلا على القانون، والغش والتحايل تعد واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق".
ويلاحظ أن المادة "916" مدني مصري قد جعلت الورثة في حكم الغير عن المورث بخصوص تاريخ الورقة العرفية بمجرد طعنهم بصدورها أثناء مرض الموت، فالوارث في مرض الموت والدائن أيضا يعدون من الغير تجاه تاريخ التصرف الذي قام به المتوفى أما الوارث فهو غير استثناء وهذا على وفق ما نصت عليه المادة "916/2"مدني مصري، وأما الدائن فهو أجنبي ابتداءً عن تصرفات هذا المتوفى ومن ثم ومن باب أولى فهو أجنبي عن تاريخ تصرف المتوفى.
بيع المريض مرض الموت.. نصوص وتطبيقات من قضاء النقض
تجرى المادة 447 من القانون المدني بالآتي:
1- إذا باع المريض مرض الموت لوارث أو لغير وارث بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت فإن البيع يسرى فى حق الورثة إذا كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تجاوز ثلث التركة داخلا فيها المبيع ذاته.
2- أما إذا كانت هذه الزيادة تجاوز ثلث التركة فإن البيع فيما يجاوز الثلث لا يسرى فى حق الورثة إلا إذا اقروه أو رد المشترى للتركة ما يفي بتكملة الثلثين .
3- و يسرى على بيع المريض مرض الموت احكام المادة 916 .
كما تجرى المادة 478 بالآتى :ـ
لا تسرى أحكام المادة السابقة اضرارا بالغير حسن النية إذا كان هذا الغير قد كسب بعوض حقا عينيا على العين المبيعة .
كما تجرى المادة 916 بالآتى :ـ
1 - كل عمل قانونى يصدر من شخص فى مرض الموت ويكون مقصودا به التبرع، ويعتبر تصرفا مضاف إلى ما بعد الموت، وتسري عليه احكام الوصية أيا كانت التسمية التي تعطى لهذا التصرف.
2 - وعلى ورثة من تصرف أن يثبتوا ان العمل القانوني قد صدر من مورثهم وهو في مرض الموت، ولهم اثبات ذلك بجميع الطرق، ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتا.
3 - وإذا أثبت الورثة أن التصرف صدر من مورثهم في مرض الموت، اعتبر التصرف صادرا على سبيل التبرع، ما لم يثبت من صدر له التصرف عكس ذلك، كل هذا ما لم توجد أحكام خاصة تخالفه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق